إعلانات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
    مشاركة مميزة

    المشاركات الشائعة

    أرشيف المدونة الإلكترونية

    المتابعون

    آخر التعليقات

    أرشيف المدونة الإلكترونية

    بحث

    المشاركات الشائعة

    الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

    احمد باشا الجزار

    أحمد باشا الجزّار، رجل سياسة وإدارة من رجالات الدولة العثمانية. ساد بلاد الشام الجنوبية طوال الربع الأخير من القرن الثامن عشر الميلادي، والسنوات الأربع الأولى من القرن التاسع عشر (1189-1219هـ/ 1775-1804م)، إذ تولى «ولاية صيدا» تسعة وعشرين عاماً، وتولى «ولاية الشام» (دمشق) أربع مرات في فترات متقطعة، وكان له قبل ذلك مغامراته السياسية مع المماليك في مصر.
    وهو بشناقي الأصل، انتقل وهو في السادسة عشرة من عمره إلى اصطنبول، حيث باع نفسه في سوق النخاسة لضيق ذات يده. وتوصَّل إلى أن يكون في خدمة «الصدر الأعظم» حكيم أوغلو علي باشا. وحين عُيّن هذا والياً على مصر الولاية الثانية سنة 1169هـ/1756م رافقه إليها، وبقي في خدمته حتى انفصل عن ولاية مصر بعد سنتين أي في 1171هـ/1758م.





    إلا أن أحمد بشناق لم يغادر مصر معه، بل اندمج في النظام المملوكي المحلي فيها. وكان حاميه هو عبد الله بك، كاشف منطقة البحيرة في إقليم الدلتا. ولما قتل راعيه في تمرد للبدو المحليين، عيّنه شيخ البلد علي بك مكانه، لما رآه من شجاعته وجرأته، وطلب إليه الثأر لأستاذه من البدو، ففعل وأخضع بدو البحيرة بشدة وقسوة، وقتل سبعين من كبارهم، فلقب بالجزّار، وقرَّبه علي بك إليه، وكان هو المهيمن آنذاك على المماليك ومصر، وأنعم عليه بالصنجقية ولقب بك.إلا أنه لما لم يطعه في الاشتراك في قتل منافس له غضب عليه فاضطر للهرب إلى اصطنبول.وهناك على ما يبدو، سعى للتقرب من كبار رجالات السلطنة العثمانية، وعاد بعدها إلى بلاد الشام، حيث كوّن بيتاً مملوكياً على نمط البيوت المملوكية في مصر، وأحاط نفسه بجيش من البشناق والمغاربة والألبان وغيرهم، واشتهر أمره.
    وفي هذه الأثناء، كانت بلاد الشام تعاني اضطرابات داخلية، نتيجة مطامع الأمراء المحليين، وتنافساتهم، وصراعهم مع والي دمشق، فقد تمكن ظاهر العمر من السيطرة على منطقة الجليل وهي الجزء الجنوبي من «ولاية صيدا»، وكان له طموحه في مد نفوذه إلى المناطق المجاورة، وثبَّت الأمير يوسف الشهابي حكمه في جبل لبنان، وكانت له مطامعه في التوسع في الأراضي المتاخمة، وكان والي دمشق العثماني يسعى دون جدوى إلى حفظ التوازن في ولايته وما يجاورها. وجاءت أطماع علي بك في مصر لتتلاقى مع مطامع ظاهر العمر في السيادة على بلاد الشام، فتحالفا، وأشركا معهما روسية، التي كانت في حرب مع الدولة العثمانية (1768-1774م). فقدمت حملة مملوكية مصرية إلى بلاد الشام بقيادة محمد أبي الذهب ونجحت في دخول دمشق سنة1185هـ/1771م، وقدم لها العون ظاهر العمر والأسطول الروسي شرقي البحر المتوسط، الذي قام بضرب مدينة بيروت، ونزل جنوده إلى برها في حزيران 1772م، فصارت تحت حكم الأمير يوسف الشهابي مع أنها جزء من ولاية صيدا. استنجد الأمير يوسف بوالي دمشق كي يزوده بمن يساعده في الدفاع عن المدينة، فبعث إليه بـأحمد الجزار فرمَّم هذا أسوارها، وهيَّأ الميرة، وآلات الدفاع، إلا أنه ما لبث أن تمرد على الأمير يوسف، وتحصن في المدينة، وقام بجباية أموالها لمصلحته. فتحالف الأمير يوسف مع خصمه ظاهر العمر، وطلب الاثنان من الأسطول الروسي عونه لإخراج أحمد الجزار من بيروت. فحوصرت بيروت سنة 1187هـ/1773م براً وبحراً أربعة أشهر، واضطرت للاستسلام بعد تفشي المجاعة فيها، والتجأ الجزار إلى ظاهر العمر في عكا مؤقتاً. ولم يلبث أن خرج منها خفية إلى دمشق، وهو يحمل معه قافلة من المؤن والذخائر التابعة لظاهر العمر. وصانع أهل الدولة في اصطنبول، ورجال السلطنة، وتابع إرسال الهدايا والرشاوى، فكافأه الباب العالي لولائه له، ورفعه إلى رتبة باشا وعينه والياً على الروملي. وفي1189هـ/1775م، عيّنه متصرفاً لصنجق «قره حصار» في الأناضول. ولما قتل ظاهر العمر من قبل أحد جنوده في العام نفسه، نقلته الدولة محافظاً لعكا، فوالياً لصيدا سنة1191هـ/1776م، وبرتبة وزير.
    اتخذ أحمد الجزار مقراً رئيساً له عكا بدل صيدا عاصمة الولاية، وذلك لحصانتها، ونشاطها التجاري ولاسيما مع الأوربيين. وليمكّن لنفسه في ولايته وما جاورها، وليرضي الدولة العثمانية، فإنه قضى على أولاد ظاهر العمر الثائرين، وأخضع «المتاولة» في جبال الجليل شمالي فلسطين، وسعى للجم طموح الشهابيين في جبل لبنان، فشدَّد القبضة على الأمير يوسف الشهابي، ولاحقه بطلباته المالية، بل عمل على عزله وتعيين ابن عمه الأمير بشير الشهابي مكانه، ثم أخذ يثير العداوة بين الأميرين لابتزازهما وإضعاف شوكتهما. وكاد يوقع بمكايدة بين الدروز والموارنة ليكون المتحكم بالطرفين. وفي عكا، عمل على دعم أسوارها، وتمتين بنيانها، مسخِّراً الفلاحين في ذلك العمل، مما دفع الكثيرين منهم إلى هجر قراهم. وحرص على الاستفادة مما أدخله ظاهر العمر قبله من تحسينات، ومن تطوير للزراعة والتجارة فيها، وبصفة خاصة مع الفرنسيين، الذين كانوا اتخذوها وصيدا مركزين هامين لتجارتهما في بلاد الشام. وجعل التجارة مصدراً رئيساً من مصادر دخله، وليُحقِّق أكبر الأرباح اتَّبع سياسة احتكار أهم المواد المتاجر بها، كالقطن، والحبوب، وفرض ضرائب ثقيلة على الحرير، ممَّا درّ عليه ثروة طائلة. هذا إضافة إلى سياسة الابتزاز من الفلاحين والأمراء، وكل الفئات، بالبطش والعنف، وساعده على ذلك قوته العسكرية، التي كان ينمِّيها بشراء المماليك والتزود بالأسلحة، وإنشاء أسطول قوي يحمي سواحله. وفي الوقت ذاته نشط في دعم قوَّته السياسية في القسطنطينية، بإغداق الهدايا والرشاوى على السلطنة، ورجالها لتثبيته في حكمه، وفي المنطقة التي يديرها، وما يجاورها. ولم ينقطع عن دفع المقرر عليه من مال للدولة، وإن لم يكن متقيداً بمواعيده. وقرَّب إليه أهل الذمة من النصارى واليهود، وأحاط نفسه بمستشارين منهم، وكتبة، وخزنة، إلا أن معظمهم انتهى أمره كما انتهى أمر كثير من المسلمين العاملين تحت إمرته في السجن، أو التعذيب، أو الشنق، ومصادرة الأموال. وكان قاسياً جداً مع المماليك من الرجال والنساء على السواء؛ فكان يقتل بل ويحرق كل من يشتبه به. وأدَّت سياسته تلك إلى قيام ثورة عليه في 7 شعبان 1203هـ/3 أيار 1789م، إلا أنَّه قضى عليها بعمل مفاجئ واقتصَّ من القائمين بها، واستعاض عنهم بمماليك جدد. ولما انتشرت أخبار جبروته، حاول السلطان عزله، إلا أنه تحدَّى أوامره، وطرد الوالي الذي أرسله مكانه، فاضطر السلطان إلى قبول الأمر الواقع، لأنه كان بحاجة إليه، إذ بسياسته تلك نجح في توطيد الأمن في المنطقة، وكبح لجام الأمراء المحليين.
    لم يكتف أحمد الجزار بولاية صيدا، فقد كانت له أطماعه في ولاية الشام (دمشق). ونجح بما بذل من رشاوى في بيت السلطنة في الحصول عليها لأول مرة في 18 ربيع الثاني 1199هـ/28 شباط 1785م. فعيّن من مماليكه الثقات من ينوب عنه في صيدا وفي طرابلس، وبذلك غدت له السيادة على القسم الأعظم من بلاد الشام. وخرج بالحج أميراً له مراراً، وضمن الأمن له من البدو المغيرين، وقمع الثورة في منطقة نابلس بشدة وعنف، وظل عنصراً رئيساً في المؤامرات السياسية التي تحاك على الأمراء الشهابيين، واستخلص منهم بيروت. واتبع في ولايته لدمشق، السياسة الاقتصادية ذاتها التي سار عليها في صيدا، من احتكار، وابتزاز، ومصادرة، مع كل شخص مهما كان دينه، أو مذهبه، أو مركزه؛ وأخاف الناس بالعقاب على الذنب الصغير، بالسجن، والقتل، والتمثيل، وقطع الأنوف، والآذان، والأطراف. ولم يغفر زلة عالم لعلمه، أوذي جاه لوجاهته، فمات في محبسه عدد غير قليل من الأعيان والعلماء. وعزلته الدولة عن دمشق بعد سنتين، أي في 1202هـ/1787م، بسبب الشكاوى التي تقدم بها الأهالي من جوره وطغيانه. إلا أنَّه أعيد إليها ثانية سنة 1205هـ/1790م، واستقام خمس سنوات هذه المرة على السياسة نفسها، إن لم يكن أشد جبروتاً؛ إذ عمل على الثأر ممن اشتكوا عليه. ومرة ثانية عزلته الدولة، إلا أنه لم يتورَّع بعد عزله عن مضايقة واليها الجديد عبد الله باشا العظم، بل حاربه سنة 1212هـ/1797م، وأعيد للمرة الثالثة إلى ولاية الشام سنة 1213هـ/1798م، وكانت الحملة الفرنسية البونابرتية استولت على مصر. ولما تقدم نابليون بونابرت لاحتلال سورية، كان أحمد الجزار في عكا. ونجح بتحصيناته لها، وبمعاونة إنكلترة وأسطولها، في الثبات في وجه حصار نابليون بونابرت للمدينة، فانسحب هذا واشتهر اسم أحمد الجزار، ليس في الأوساط العثمانية والمحلية فحسب، وإنما في الأوساط الأوربية أيضاً. وتذكر الأخبار أنه قدَّم استقالته إلى الصدر الأعظم يوسف باشا الذي أتى إلى دمشق لإصلاح الأحوال فيها، فقبلت في سنة 1214هـ، وربما تمَّ كل ذلك تحت ضغط شكاوى الأهالي.
    ولكن السلطنة أعادته إلى ولاية الشام للمرة الرابعة سنة 1218هـ/1803م، وكانت الحملة الفرنسية خرجت من مصر. ولم يُغيِّر من سياسته المتَّبعة بل كان أشد ظلماً وتعسفاً، ولعلّ انتصاره على الفرنسيين قوّى من شوكته، وأصاب بطشه التجار، وكبار العلماء في دمشق ومنهم عبد الرحمن المرادي مفتي دمشق، وأسعد المحاسني وغيرهما، ونسب إليه سجنهما ثم مقتلهما، وصادر أموال كثير من الأهالي دون حق، وأوجد وسائل تعذيب رهيبة، ليسكت كل من يقاوم. وتمكن من تنحية الأمير بشير الشهابي عن إمارة لبنان، وعين مكانه اثنين من أعوانه.
    وفي الحقيقة، أن جميع من ترجمه يُسهب في الحديث تفصيلاً عن مظاهر بطشه وجبروته، وظلمه، ووسائل ابتزازه للمال، وإخضاع الرؤوس مهما علت. إلا أن عدداً منهم يقدِّر فيه بموضوعية، أنه لم يسعَ كما سعى عدد غير قليل من الأمراء المحليين، والولاة، لإعلان الانفصال عن الدولة، وأنه على نقيض ذلك بقي موالياً لها، وتمكن بدهائه، وسعة حيلته، وبطشه، ومؤامراته، أن يخضع المنطقة الجنوبية من بلاد الشام، وأن يخضع الأمراء والشيوخ، ويزعزع سلطانهم، أولئك الأمراء والشيوخ الذين ما كانوا هم أيضاً ليتورعوا عن اتباع الأساليب نفسها التي اتَّبعها الجزَّار مع رعاياهم. ويرى بعض مترجميه أيضاً، بأنه لم يفرق في معاملته تلك بين أي فئة وأخرى من فئات الشعب، ناهيك عن نجاحه في ردَّ الحملة الفرنسية عن بلاد الشام.وفي ذلك يقول الجبرتي: «ولو لم يكن له من المناقب إلا استظهاره على الفرنساوية وثباته في محاربتهم له أكثر من شهرين لم يغفل فيها لحظة، لكفاه». لقد كان أحمد الجزار شديد الاعتداد بنفسه وبقوته، ووصلت ثقته بنفسه إلى حد أنه كان يقول إنَّه المهدي المنتظر، وإنَّه أحمد المذكور في الجفور. وإنَّ الشيخ محيي الدين بن عربي أخبر عنه في فتوحاته، وإنه مجدِّد الوقت.
    وافت المنيَّة أحمد الجزار وهو لا يزال في أوج جبروته، ودُفن في مسجده الذي كان بناه في مدينة عكا. ولم يعلم ما خلّف الجزار من الأموال بعد حكمه الطويل، ويذكر محمد كرد علي في كتابه «خطط الشام»، أن ما ضبط قليل بالنسبة لطول عهده أو لعله ادّخر كميات من الذهب غير ما عثر عليه فضاعت عند وكلائه وخواصه

    0 التعليقات:

    إرسال تعليق

    ShareThis

    Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...